يعتبر القرآن والحديث، حجر الزاوية في تشريع الأحكام والقوانين الإسلامية، بيد أن حاجة المسلمين ـ لالتماس الحكم الشرعي ـ إلى السنة ، من بين هاتين الدعامتين أكثر من نظيرها: القرآن.
ذلك، أن آيات الأحكام في القرآن معدودة، وعلى الرأي المشهور، فهي لا تتجاوز الخمسمائة آية، والاقتصار عليها دون الرجوع إلى السنة، لا يمكن، وذلك:
أولا: لأن هذه الآيات تحتمل الإجمال والإطلاق، وهو الأمر الذي لا يتكفل بحله إلا السنة.
ثانيا: أن آيات الأحكام لا تلبي الحاجة، في تحديد الوظيفة الشرعية لكل الحالات والمواقف التي يواجهها المسلم، فهي لا تبين إلا جزءا ضئيلا من أحكام المكلف. ومن هنا كانت ضرورة الأخذ بالسنة واعتبار الحديث الصحيح حجة، ولا تجوز مخالفته كما لا تجوز مخالفة القرآن، وقد اتفق على هذا الرأي المسلمون كافة، سنة وشيعة.
وقد جاء في القرآن الكريم: (ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا). وهو يعتبر طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) موازية لطاعة الله عز وجل وبنفس الدرجة من الأهمية وحظر على المسلمين أي خروج على أوامره (صلى الله عليه وآله) واعتبر التسليم لأوامره رمزا للطاعة، وعصيانها رمزا للضلالة والغواية).
هذا مضمون نبذة من الآيات التي تدعو إلى الانقياد، وإطاعة الأوامر النبويّة، وتعبّر عنها بتعابير مختلفة، تنتهي أخيرا إلى المعنى المذكور. فالانقياد إليه لا يمكن إلا بالالتزام بسنّته، والعمل على وفقها.
أهمية السنة بالمنظار النبويّ:
ليست قليلة، تلك الروايات المرويّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام، التي تؤكد على أهميّة الحديث، وتشير إلى شتى الجوانب المرتبطة بالسنة، من الحفظ، والكتابة، والتبليغ، والإيصال إلى الآخرين.
وقد جاء في خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع:
(معاشر الناس، وكل حلال دللتكم عليه، أو حرام نهيتكم عنه، فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل..) وقد أكّد النبي تأكيدا بالغا على حفظ الحديث واستيعابه، وإبلاغه للآخرين، فقال:
(نضّر الله عبدا سمع مقاتلي فوعاها) وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا:
(نضّر الله عبدا سمع مقالتي فبلغها) وكان يكرر كثيرا من القول: (فليبلغ الشاهد الغائب).
كل هذا التأكيد والتذكير، يدل على أن موقع الحديث والسنة، بمكان من الخطورة، ونستلهم منه، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قام بتبيين جميع الأحكام الشرعية، وما يرتبط بها، ويرى ضرورة إبلاغها للآخرين وأنّها وظيفة شرعيّة تقع على عاتق السامعين).